كتاب: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال **


تتمة زهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

35931- عن الأحوص بن حكيم عن أبيه قال‏:‏ اتي عمر بلحم فيه سمن فأبى أن يأكلهما وقال‏:‏ كل واحد منهما أدم‏.‏

‏(‏ابن سعد‏)‏‏.‏

35932- عن أبي حازم قال‏:‏ دخل عمر بن الخطاب على حفصة ابنته فقدمت إليه مرقا باردا وخبزا وصبت في المرق زيتا فقال‏:‏ أدمان في إناء واحد لا أذوقه حتى ألقى الله‏.‏

‏(‏ابن سعد‏)‏‏.‏

35933- عن الحسن أن عمر دخل على رجل فاستسقاه وهو عطشان، فأتاه بعسل، فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ قال‏:‏ عسل، قال‏:‏ والله‏!‏ لا يكون فيما أحاسب به يوم القيامة‏.‏

‏(‏ابن سعد، كر‏)‏‏.‏

35934- عن أبي وائل أن عمر اتي بطعام فقال‏:‏ ايتوني بلون واحد‏.‏

‏(‏هناد‏)‏‏.‏

35935- عن أبي وائل‏:‏ قال لي عمر‏:‏ يا غلام‏!‏ انضج العصيدة تذهب حرارة الزيت، وإن أقواما يعجلون طيباتهم في حياتهم الدنيا‏.‏

‏(‏هناد‏)‏‏.‏

35936- عن عتبة بن فرقد قال‏:‏ قدمت على عمر بسلال خبيص فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقلت‏:‏ طعام أتيتك به لأنك تقضي في حاجات الناس أول النهار فأحببت إذا رجعت أن ترجع إلى طعام فتصيب منه فقواك، فكشف عن سلة منها فقال‏:‏ عزمت عليك يا عتبة أرزقت كل رجل من المسلمين سلة‏؟‏ فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ لو أنفقت مال قيس كلها ما وسعت ذلك، قال‏:‏ فلا حاجة لي فيه، ثم دعا بقصعة ثريد خبزا خشنا ولحما غليظا وهو يأكل معي أكلا شهيا، فجعلت أهوي إلى البيضة البيضاء أحسبها سناما فإذا هي عصبة‏:‏ والبضعة من اللحم أمضغها فلا أسيغها فإذا غفل عني جعلتها بين الخوان والقصعة؛ ثم دعا بعس من نبيذ قد كاد أن يكون خلا فقال‏:‏ اشرب، فأخذته وما أكاد أسيغه، ثم أخذه فشرب ثم قال‏:‏ اسمع يا عتبة‏:‏ إنا ننحر كل يوم جزورا فأما ودكها وأطايبها فلمن حضرنا من آفاق المسلمين، وأما عنقها فلآل عمر يأكل هذا اللحم الغليظ ويشرب هذا النبيذ الشديد يقطع في بطوننا أن يؤذينا‏.‏

‏(‏هناد‏)‏‏.‏

35937- عن أبي عثمان النهدي قال‏:‏ لما قدم عتبة بن فرقد آذربيجان أتي بالخبيص، فلما أكله وجد شيئا حلوا طيبا فقال‏:‏ لو صنعت لأمير المؤمنين من هذا‏!‏ فأمر فجعل له سفطين ‏(‏سفطين‏:‏ السفط‏:‏ واحد الأسفاط، وهو كالجوالق أو كالقفة‏.‏ المختار 239‏.‏ ب‏)‏ عظيمين ثم حملهما على بعير مع رجلين فسرح بهما إلى عمر، فلما قدم عليه فتحهما فقال‏:‏ أي شيء هذا‏؟‏ فقالوا‏:‏ خبيص، فذاقه فإذا شيء حلو، فقال للرسول‏:‏ أكل المسلمين شبع من هذا في رحله‏؟‏ لعله قال‏:‏ لا، قال‏:‏ أما لا فارددهما‏.‏ ثم كتب إليه‏:‏ أما بعد فإنه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك، أشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك‏.‏

‏(‏ابن راهويه وهناد والحارث، ع، ك، ق‏)‏‏.‏

35938- عن عمر أنه دعي إلى طعام فكانوا إذا جاؤا بلون خلطه مع صاحبه‏.‏

‏(‏هناد‏)‏‏.‏

35939- عن حبيب بن أبي ثابت عن بعض أصحابه عن عمر أنه قدم عليه ناس من أهل العراق فيهم جرير بن عبد الله فأتاهم بحفنة قد صنعت بخبز وزيت، فقال لهم‏:‏ خذوا، فأخذوا أخذا ضعيفا، فقال لهم عمر‏:‏ قد أرى ما تفعلون، فأي شيء تريدون‏؟‏ أحلوا وحامضا، وحارا وباردا، ثم قذفا في البطون‏.‏

‏(‏هناد، حل‏)‏‏.‏

35940- عن مسروق قال‏:‏ خرج علينا عمر ذات يوم وعليه حلة قطن فنظر إليه الناس نظرا شديدا فقال‏:‏

لا شيء فيما ترى إلا بشاشته* يبقى الإله ويودى ‏(‏يودى‏:‏ أودى الرجل‏:‏ هلك؛ فهو مود‏.‏ المختار 566‏.‏ ب‏)‏ المال والولد

والله‏!‏ ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة ‏(‏كنفجة‏:‏ أي كوثبته من مجثمعه‏؟‏‏؟‏، يريد تقليل مدتها‏.‏ النهاية 5/88‏.‏ ب‏)‏ أرنب‏.‏

‏(‏هناد وابن أبي الدنيا في قصر الأمل‏)‏‏.‏

35941- عن قتادة قال‏:‏ كان عمر وهو خليفة يلبس جبة من صوف مرقوعة بعضها بأدم ويطوف بالأسواق على عاتقه الدرة يؤدب الناس ويمر بالنكث ‏(‏بالنكث‏:‏ وعن عمر رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏إنه لقط نويات من الطريق فأمسكها بيده حتى مر بدار قوم فألقاها فيها‏:‏ وقال‏:‏ تأكلها داجنتهم‏.‏ وعنه رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏إنه كان يأخذ النوى ويلقط النكث من الطريق؛ فإذا مر بدار قوم رمى بها فيها؛ وقال‏:‏ انتفعوا بهذا‏.‏

النويات‏:‏ جمع قلة، والنوى جمع كثرة‏.‏

والنكث‏:‏ واحد الأنكاث؛ وهو الخيط الخلق من صوف أو شعر أو وبر لأنه ينكث ثم يعاد فتله‏.‏ الفائق 4/31‏.‏ ب‏)‏ والنوى فليقطه ويلقيه في منازل الناس لينتفعوا به‏.‏

‏(‏الدينوري في المجالسة، كر‏)‏‏.‏

35942- عن الحسن قال‏:‏ خطب عمر بن الخطاب الناس وهو خليفة وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة‏.‏

‏(‏حم في الزهد وهناد وابن جرير وأبو نعيم‏)‏‏.‏

35943- عن أبي وائل قال‏:‏ غزوت مع عمر الشام فنزلنا منزلا فجاء دهقان يستدل على أمير المؤمنين حتى أتاه، فلما رأى الدهقان عمر سجد، فقال عمر‏:‏ ما هذا السجود‏؟‏ فقال‏:‏ هكذا نفعل بالملوك، فقال عمر‏:‏ اسجد لربك الذي خلقك، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ إني قد صنعت لك طعاما فأتني، فقال عمر‏:‏ هل في بيتك تصاوير العجم‏!‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ لا حاجة لي في بيتك ولكن انطلق فابعث لنا بلون من الطعام ولا تزدنا عليه، فانطلق فبعث إليه بطعام فأكل منه، ثم قال عمر لغلامه‏:‏ هل في إداوتك شيء من ذلك النبيذ، قال‏:‏ نعم، فأتاه فصبه في إناء ثم شمه فوجده منكر الريح فصب عليه ماء ثم شمه فوجده منكر الريح فصب عليه الماء ثلاث مرات ثم شربه ثم قال‏:‏ إذا رابكم من شرابكم شيء فافعلوا به هكذا، ثم قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لا تلبسوا الديباج والحرير ولا تشربوا في آنية الفضة والذهب فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة‏.‏

‏(‏مسدد، ك، كر‏)‏‏.‏

35944- عن حفص بن أبي العاص قال‏:‏ كنا نتغدى مع عمر فقال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ قال الله في كتابه ‏(‏ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيبتكم‏)‏ - الآية‏.‏

‏(‏ابن مردويه‏)‏‏.‏

35945- عن ابن عمر أن عمر رأى في يد جابر بن عبد الله درهما فقال‏:‏ ما هذا الدرهم‏؟‏ قال‏:‏ أريد أن أشتري لأهلي به لحما قرموا ‏(‏قرموا‏:‏ القرم - بفتحتين -‏:‏ شدة شهوة اللحم‏.‏ وقد قرم إلى اللحم، من باب طرب‏.‏ المختار 19‏.‏ ب‏)‏ إليه، فقال‏:‏ أكللما اشتهيتم شيئا اشتريتموه‏؟‏ أين تذهب عنكم هذه الآية ‏(‏أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها‏)‏‏.‏

‏(‏ص وعبد بن حميد وابن المنذر، ك، هب‏)‏‏.‏

35946- عن قتادة قال‏:‏ ذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول‏:‏ لو شئت لكنت أطيبكم طعاما وألينكم لباسا ولكني أستبقي طيباتي، وذكر لنا أن عمر بن الخطاب لما قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله، قال‏:‏ هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير‏؟‏ فقال خالد بن الوليد‏:‏ لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر وقال‏:‏ لئن كان حظنا من هذا الحطام وذهبوا بالجنة لقد بانوا بونا ‏(‏بانوا بونا‏:‏ البون‏:‏ الفضل والمزية، وقد بانه من باب قال وباع، وبينهما بون بعيد وبين بعيد، والواو أفصح‏.‏ المختار 52‏.‏ ب‏)‏ عظيما‏.‏

‏(‏عبد بن حميد وابن جرير‏)‏‏.‏

35947- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‏:‏ قدم على عمر ناس من أهل العراق، فرأى كأنهم يأكلون تقذيرا فقال‏:‏ يا أهل العراق‏!‏ لو شئت أن يدهمق لي كما يدهمق لكم ففعلت ولكنا نستبقي من دنيانا نجده في آخرتنا، أما سمعتم الله يقول لقوم ‏(‏أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا‏)‏ - الآية‏.‏

‏(‏حل‏)‏‏.‏

35948- عن سفيان بن عيينة قال‏:‏ كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب وهو على الكوفة يستأذنه في بناء بيت يسكنه، فوقع في كتابه‏:‏ ابن ما يسترك من الشمس ويكنك من الغيث، فإن الدنيا دار بلغة ‏(‏بلغة‏:‏ البلغة‏:‏ ما يتبلغ به من العيش‏.‏ المختار 46‏.‏ ب‏)‏‏.‏ وكتب إلى عمرو بن العاص وهو على مصر‏:‏ كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك‏.‏

‏(‏ابن أبي الدنيا والدينوري‏)‏‏.‏

35949- عن ثابت قال‏:‏ أكل الجارود عند عمر بن الخطاب، فلما فرغ قال‏:‏ يا جارية‏!‏ هلمي الدستار - يعني المنديل يمسح يده - فقال عمر‏:‏ امسح يدك باستك أو ذر‏.‏

‏(‏الدينوري‏)‏‏.‏

35950- عن ثابت أن عمر استسقى فأتي بإناء من عسل، فوضعه على كفه فجعل يقول‏:‏ أشربها فتذهب حلاوتها وتبقى نقمتها - قالها ثلاثا، ثم دفعه إلى رجل من القوم فشربه‏.‏

‏(‏ابن المبارك‏)‏‏.‏

35951- ‏{‏مسند عمر‏}‏ عن عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر قال‏:‏ بعث أبو موسى من العراق إلى عمر بن الخطاب بحلية فوضعت بين يديه وفي حجزه أسماء بنت زيد بن الخطاب - وكانت أحب إليه من نفسه لما قتل أبوها باليمامة عطف عليها - فأخذت من الحلية خاتما فوضعته في يدها، فأقبل عليها فقبلها ويلتزمها، فلما غفلت أخذ الخاتم من يدها فرمى به في الحلية وقال‏:‏ خذوها عني‏.‏

‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏‏.‏

35952- عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب لما قدم الشام أهديت له سلة خبيص، قال‏:‏ إن هذا طعام ما أعرفه فما هو‏؟‏ قالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ الخبيص، قال‏:‏ وما الخبيص‏؟‏ قالوا‏:‏ طعام يصنع من العسل ونقي الدقيق، فقال‏:‏ والله إن هذا طعام لا آكله أبدا حتى ألقى الله إلا أن يكون طعام الناس كلهم مثله، قالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ ما هو بطعام المسلمين كلهم، قال‏:‏ فلا حاجة لنا فيه‏.‏

‏(‏خط في رواة مالك‏)‏‏.‏

35953- ‏{‏مسند عمر‏}‏ عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ لقيني عمر بن الخطاب ومعي لحم اشتريته بدرهم فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ اشتريته للصبيان والنساء، فقال عمر‏:‏ لا يشتهي أحدكم شيئا إلا وقع فيه - مرتين أو ثلاثا، ثم قال‏:‏ لا يطوي أحدكم بطنه لجاره وابن عمه‏؟‏ ثم قال‏:‏ أين تذهب عنكم هذه الآية ‏(‏أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها‏)‏‏.‏

‏(‏ابن جرير‏)‏‏.‏

35954- عن أبي بكرة قال‏:‏ أتي عمر بن الخطاب بخبز وزيت فقال‏:‏ أما والله لتموتن أيها البطن على الخبز والزيت ما دام السمن يباع بالأواقي‏.‏

‏(‏ق‏)‏‏.‏

35955- ‏{‏مسنده‏}‏ عن ابن أبي مليكة قال‏:‏ قدم عتبة بن فرقد على عمر وبين يدي عمر طعام يأكل منه، فقال له عمر‏:‏ كل من هذا، فأكل منه متكارها، فقال له عمر‏:‏ دعه إن شئت، قال‏:‏ هل لك يا أمير المؤمنين في شيء - يعني طعاما يصنع له - لا ينقص من خراج المسلمين شيئا، قال‏:‏ ويحك‏!‏ آكل طيباتي في حياتي الدنيا واستمتع بها‏.‏

‏(‏كر‏)‏‏.‏

35956- ‏{‏أيضا‏}‏ عن عروة عن عاصم عن عمر قال‏:‏ لا أجد أن يحل لي أن آكل من مالكم هذا إلا كما كنت آكل من صلب مالي الخبز والزيت والخبز والسمن، قال‏:‏ فكان ربما أتي بالقصعة قد جعلت بزيت وما يليه سمن فيعتذر فيقول‏:‏ إني رجل تمرد ولست أستمرئ هذا الزيت‏.‏

‏(‏هناد‏)‏‏.‏

35957- عن طلحة رضي الله عنه قال‏:‏ أتي عمر بمال فقسمه بين المسلمين ففضلت منه فضلة فاستشار فيها، فقالوا‏:‏ لو تركت لنائبة إن كانت‏!‏ وعلي ساكت لا يتكلم فقال‏:‏ مالك يا أبا الحسن لا تتكلم‏؟‏ قال‏:‏ قد أخبرك القوم، قال عمر‏:‏ لتكلمني، قال‏:‏ إن الله قد فرغ من قسمة هذا المال - وذكر حديث مال البحرين حين جاء النبي صلى الله عليه وسلم حين حال بينه وبين أن يقسمه الليل فصلى الصوات في المسجد فقد رأيت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرغ منه، فقال‏:‏ لا جرم لتقسمنه‏!‏ فقسمه علي رضي الله عنه، فأصابني منه ثمانمائة درهم‏.‏

‏(‏البزار‏)‏‏.‏

35958- ‏{‏مسند عمر‏}‏ عن سالم بن عبد الله قال‏:‏ لما ولي عمر قعد على رزق أبي بكر الذي كانوا فرضوا له فكان بذلك فاشتدت حاجته، واجتمع نفر من المهاجرين فيهم عثمان وعلي وطلحة والزبير فقال الزبير‏:‏ لو قلنا لعمر في زيادة نزيدها إياه في رزقه‏!‏ فقال علي‏:‏ وددنا أنه فعل ذلك فانطلقوا بنا، فقال عثمان‏:‏ إنه عمر‏!‏ فهلموا فلنستشر ما عنده من وراء وراء، نأتي حفصة فنكلمها ونستكتمها أسماءنا، فدخلوا عليها وسألوها أن تخبر بالخبر عن نفر ولا تسمي أحدا له إلا أن يقبل، وخرجوا من عندها، فلقيت عمر في ذلك فعرفت الغضب في وجهه، فقال‏:‏ من هؤلاء‏؟‏ قالت‏:‏ لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم ما رأيك، فقال‏:‏ لو علمت من هم لسودت وجوههم، أنت بيني وبينهم أناشدك الله ما أفضل ما اقتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك من الملبس‏؟‏ قالت‏:‏ ثوبين ممشقين كان يلبسهما للوفد ويخطب فيهما للجمع، فقال‏:‏ فأي طعام ناله عندك أرفع‏؟‏ قالت‏:‏ خبزنا خبز شعير يصب عليها وهي حارة أسفل عكة لنا فجعلنا حيسة ‏(‏حيسة‏:‏ الحس‏:‏ تمر ينزع نواه ويدق مع أقط ويعجنان بالسمن ثم يدلك باليد حتى يبقى كالثريد، وربما جعل منه سويق‏.‏ المصباح المنير 1/218‏.‏ ب‏)‏ دسماء حلوة نأكل منها ونطعم منها استطابة، قال‏:‏ فأي مبسط كان يبسطه عندك كان أوطأ‏؟‏ قالت‏:‏ كساء لنا ثخين كنا يرفعه في الصيف فنجعله تحتنا، فإذا كان الشتاء انبسطنا نصفه وتدثرنا نصفه، قال‏:‏ يا حفصة‏!‏ فأبلغيهم عني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر فوضع الفضول مواضعها وتبلغ ‏(‏وتبلغ‏:‏ يقال‏:‏ تبلغ به إذا اكتفى به وتجزا وفي هذا بلاغ وبلغة وتبلغ أي‏:‏ كفاية‏.‏ المصباح المنير 1/ 85‏.‏ ب‏)‏ بالتوجية ‏(‏بالتوجية‏:‏ لعله بالتوجبة من وجب فلان نفسه وعياله وفرسه أي‏:‏ عودهم أكلة واحدة في النهار‏.‏ والوجبة الأكلة في اليوم والليلة‏.‏ قال ثعلب‏:‏ الوجبة أكلة في اليوم إلى مثلها من الغد‏.‏ لسان العرب 1/795‏.‏ ب‏)‏ وإني قدرت فوالله لأضعن الفضول مواضعها ولأتبلغن بالتوجية، وإنما مثلي ومثل صاحبي كثلاثة نفر سلكوا طريقا، فمضى الأول وقد تزود زادا فبلغ، ثم اتبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى إليه، ثم اتبعهما الثالث فإن لزم طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما وكان معهما، وإن سلك غير طريقهما لم يجامعهما أبدا‏.‏

‏(‏كر‏)‏‏.‏

35959- ‏{‏أيضا‏}‏ عن الحسن البصري قال‏:‏ أتيت مجلسا في جامع البصرة فإذا أنا بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكرون زهد أبي بكر وعمر وما فتح الله عليهما من الإسلام وحسن سيرتهما، فدنوت من القوم فإذا فيهم الأحنف بن قيس التميمي جالس معهم، فسمعته يقول‏:‏

أخرجنا عمر بن الخطاب في سرية إلى العراق ففتح الله علينا العراق وبلد فارس فأصبنا فيها من بياض فارس وخراسان فجعلناه معنا واكتسينا منها، فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه وجعل لا يكلمنا، فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتينا ابنه عبد الله بن عمر وهو جالس في المسجد، فشكونا إليه ما نزل بنا من الجفاء من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‏.‏

فقال عبد الله‏:‏ إن أمير المؤمنين رأى عليكم لباسا لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسه ولا الخليفة من بعده أبو بكر الصديق، فأتينا منازلنا فنزعنا ما كان علينا وأتيناه في البزة ‏(‏البزة‏:‏ - بالكسر -‏:‏ الهيئة‏.‏ المختار 38 ب‏)‏ التي كان يعهدنا فيها، فقام يسلم علينا على رجل رجل ويعانق منا رجلا رجلا حتى كأنه لم يرنا قبل ذلك، فقدمنا إليه الغنائم فقسمها بيننا بالسوية‏.‏

فعرض عليه في الغنائم سلال من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر، فذاقه عمر فوجده طيب الطعم طيب الريح، فأقبل علينا بوجهه وقال‏:‏ والله يا معشر المهاجرين والأنصار ليقتلن منكم الابن أباه والأخ أخاه على هذا الطعام‏!‏ ثم أمر به فحمل إلى أولاد من قتلوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين الأنصار‏.‏

ثم إن عمر قام منصرفا فمشى وراء ‏؟‏‏؟‏ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثره، فقالوا‏:‏ ما ترون يا معشر المهاجرين والأنصار إلى زهد هذا الرجل وإلى حليته‏؟‏ لقد تقاصرت إلينا أنفسنا مذ فتح الله على يديه ديار كسرى وقيصر وطرفي المشرق والمغرب، ووفود العرب والعجم يأتونه فيرون عليه هذه الجبة قد رقعها اثنتي عشرة رقعة فلو سألتم معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم الكبراء من أهل المواقف والمشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والسابقين من المهاجرين والأنصار أن يغير هذه الجبة بثوب لين يهاب فيه منظره ويغدى عليه جفنة من الطعام ويراح عليه جفنة يأكله ومن حضره من المهاجرين والأنصار‏.‏

فقال القوم بأجمعهم‏:‏ ليس لهذا القول إلا علي ابن أبي طالب فإنه أجرأ الناس عليه وصهره على ابنته أو ابنته حفصة فإنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجب لها لموضعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلموا عليا فقال علي‏:‏ لست بفاعل ذلك ولكن عليكم بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهن أمهات المؤمنين يجترئن عليه‏.‏

قال الأحنف بن قيس‏:‏ فسألوا عائشة وحفصة وكانتا مجتمعتين، فقالت عائشة‏:‏ إني سائلة أمير المؤمنين ذلك، وقالت حفصة‏:‏ ما أراه يفعل وسيبين لك ذلك‏.‏

فدخلنا ‏[‏فدخلتا‏؟‏‏؟‏‏]‏ على أمير المؤمنين فقربهما وأدناهما، فقالت عائشة‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ أتأذن لي أن أكلمك‏؟‏ قال‏:‏ تكلمي يا أم المؤمنين‏!‏ قالت‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضى لسبيله إلى جنته ورضوانه لم يرد الدنيا ولم ترده، وكذلك مضى أبو بكر على أثره لسبيله بعد إحياء سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل الكذابين وأدحض حجة المبطلين بعد عدله في الرعية وقسمه بالسوية وأرضى رب البرية، فقبضه الله إلى رحمته ورضوانه وألحقه بنبيه صلى الله عليه وسلم بالرفيع الأعلى، لم يرد الدنيا ولم ترده، وقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر وديارهما وحمل إليك أموالهما، ودانت لك طرفا المشرق المغرب، ونرجو من الله المزيد وفي الإسلام التأييد، ورسل العجم يأتونك ووفود العرب يردون عليك وعليك هذه الجبة قد رقعتها اثنتي عشرة رقعة‏!‏ فلو غيرتها بثوب لين يهاب فيه منظرك ويغدى عليك بجفنة من الطعام ويراح عليك بجفنة تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار‏.‏

فبكى عمر عند ذلك بكاء شديدا، ثم قال‏:‏ سألتك بالله هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شبع من خبز بر عشرة أيام أو خمسة أو ثلاثة أو جمع بين عشاء وغداء حتى لحق بالله‏؟‏ فقالت‏:‏ لا‏.‏

فأقبل على عائشة فقال‏:‏ هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب إليه طعام على مائدة في ارتفاع شبر من الأرض‏؟‏ كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض ويأمر بالمائدة فترفع، قالتا‏:‏ اللهم نعم‏.‏

فقال لهما‏:‏ أنتما زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ولكما على المؤمنين حق وعلي خاصة ولكن أتيتماني وترغباني في الدنيا وإني لأعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس جبة من الصوف فربما رق جلده من خشونتها‏!‏ أتعلمان ذلك‏؟‏ قالتا‏:‏ اللهم نعم‏.‏

قال‏:‏ فهل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقد على عباءة على طاقة واحدة‏؟‏ وكان مسحا ‏(‏مسحا‏:‏ المسح - بوزن الملح - البلاس وهو ثوب من الشعر غليظ‏.‏ المختار 494‏.‏ ب‏)‏ في بيتك يا عائشة يكون بالنهار بساطا وبالليل فراشا فندخل عليه فنرى أثر الحصير على جنبه، ألا يا حفصة‏!‏ أنت حدثتيني أنك ثنيت له ذات ليلة فوجد لينها فرقد عليه فلم يستيقظ إلا بأذان بلال فقال لك‏:‏ يا حفصة‏!‏ ماذا صنعت‏؟‏ أثنيت لي المهاد ليلتي حتى ذهب بي النوم إلى الصباح‏؟‏ مالي وللدنيا ومالي‏!‏ شغلتموني لين الفراش‏!‏

يا حفصة‏!‏ أما تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‏؟‏ أمسى جائعا ورقد ساجدا ولم يزل راكعا وساجدا وباكيا ومتضرعا في آناء الليل والنهار إلى أن قبضه الله إلى رحمته ورضوانه، لا أكل عمر طيبا ولا لبس لينا فله أسوة بصاحبيه، ولا جمع بين الأدمين إلا الملح والزيت، ولا أكل لحما إلا في كل شهر حتى ينقضي ما انقضى من القوم‏.‏

فخرجنا ‏[‏فخرجتا‏؟‏‏؟‏‏]‏ فخبرتا بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل‏.‏

‏(‏كر‏)‏‏.‏

نصفته في أهله رضي الله عنه

35960- عن الحسن قال‏:‏ جيء إلى عمر بمال فبلغ ذلك حفصة ابنة عمر فجاءت فقالت‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ حق أقربائك من هذا المال‏!‏ قد أوصى الله عز وجل بالأقربين، فقال لها‏:‏ يا بنية‏!‏ حق أقربائي في مالي‏:‏ فأما هذا ففيء المسلمين، غششت أباك‏!‏ قومي، فقامت والله تجر ذيلها‏.‏

‏(‏حم في الزهد‏)‏‏.‏

35961- عن أسلم قال‏:‏ رأيت عبد الله بن الأرقم جاء إلى عمر فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ عندنا حلية من حلية جلولاء آنية فضة فانظر إن تفرغ يوما فيها فتأمرنا بأمرك، فقال‏:‏ إذا رأيتني فارغا فآذني، فجاءه يوما فقال‏:‏ إني أراك اليوم فارغا‏!‏ قال‏:‏ أجل ابسط لي نطعا، فأمر بذلك المال فأفيض عليه، ثم جاء حتى وقف عليه، فقال‏:‏ اللهم‏!‏ إنك ذكرت هذا المال فقلت ‏{‏زين للناس حب الشهوات‏}‏ حتى فرغ من الآية - وقلت ‏{‏لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم‏}‏ وإنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا، اللهم‏!‏ فاجعلنا ننفقه في حق وأعوذ بك من شره، قال فأتي بابن له يحمل يقال له عبد الرحمن بن بهية فقال‏:‏ يا أبت هب لي خاتما، قال‏:‏ اذهب إلى أمك تسقيك سويقا، قال‏:‏ فوالله ما أعطاه شيئا‏.‏

‏(‏ش، حم في الزهد وابن أبي الدنيا في كتاب الإشراف وابن أبي حاتم، كر‏)‏‏.‏

35962- عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ قدم على عمر مسك وعنبر من البحرين فقال عمر‏:‏ والله لوددت أني وجدت امرأة حسنة الوزن تزن لي هذا الطيب حتى أقسمه بين المسلمين، فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل‏:‏ أنا جيدة الوزن فهلم أزن لك‏!‏ قال‏:‏ لا، قالت‏:‏ لم‏؟‏ قال‏:‏ إني أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا - أدخل أصابعه في صدغيه - وتمسحين به عنقك فأصبت فضلا على المسلمين‏.‏

‏(‏حم في الزهد‏)‏‏.‏

35963- عن عمر أنه قسم يوما مالا فجعلوا يثنون عليه، فقال‏:‏ ما أحمقكم‏!‏ لو كان هذا لي ما أعطيتكم منه درهما واحدا‏.‏

‏(‏عبد بن حميد، ق‏)‏‏.‏